www.eri-platform.org








 بروكسل، بلجيكا

82 أغسطس 2021م

منتدى ارتريا 2021م


تعزيز القدرات العملية للشعب على تحقيق التغيير والانتقال الديمقراطي


المحترمات والمحترمون المشاركون في منتدى ارتريا 2021م،

حمداً لله على سلامة وصولكم. 

اما بعد، يطيب لي في البداية ان أتقدم اليكم بفائق الشكر والتقدير لتكبدكم مشاق السفر وتعليقكم لكل مهامكم الاسرية والمهنية والخاصة وقدومكم من مختلف انحاء العالم للمشاركة في هذا المنتدى في هذا الظرف العصيب الذي يكتسح فيه وباء كوفيد 19 كل دول وشعوب العالم دون تمييز واهلك حتى الآن أرواح 4.5 مليون نسمة.

منتدى ارتريا 2021 هو مواصلة للمنتديات الثلاثة المتتالية التي رعاها المنتدى الارتري من قبل. وسيركز هذا المنتدى على خمسة مواضيع نقاش رئيسية تتعلق بارتريا والإرتريين في الشتات في هذه المرحلة المفصلية. ويهدف في خضم نضالاتنا من اجل تحقيق التغيير والانتقال الديمقراطي الى (1)تحديد التحديات التي تواجهنا في هذه المرحلة المفصلية (2) ومن ثم والتعرف على الفرص المتاحة والعمل على التصدي لها(3) واستكشاف الاستراتيجيات التي تمكننا من الاستفادة منها كما ينبغي.                                    

إن نقاشنا هذا، الذى ينعقد في وقت يشهد فيها محيطنا القريب حروب طاحنة وازمات عميقة، يهدف بشكل رئيسي الى (1) بلورة فهم مشترك للأوضاع الراهنة في وطننا ولمصالح الوطن والشعب الأساسية (2) وتطوير رؤية مشتركة المستقبل السياسي لبلدنا (3) واستكشاف إمكانية اسهامنا في تعجيل التغيير الإداري المستقل وحفز الانتقال الديمقراطي.

بعد هذا المدخل القصير، اسمحوا لي ان الج مباشرة الى موضوع اجتماعنا الرئيسي.

يقول السيد فون بسمارك السياسي والقائد الألماني الشهير ومهندس وحدة المانيا "لسياسة هي فن الممكن، فن ما يمكن أنجازه، فن القادم الأفضل". ومنذ ذلك الحين أصبحت عبارة بسمارك هذه قولاً مأثوراً في السياسة الواقعية. وعند النظر الى هذا القول المأثور بمنظور الواقع الراهن لبلادنا يمكن إضافة ما يلي: السياسة هي الفعل البراغماتي الذي يعمل على تغيير الواقع الراهن الى الواقع المفترض. بعبارة أخرى، هي الفعل البراغماتي الذي يهدف من خلال الجهد المتواصل الى الدفع باتجاه تغيير الواقع القائم على الأرض نحو الهدف الذي ننشده مع مراعاة التوازن بين تطلعاتنا وإمكانيات مواردنا.

 الواقع السياسي الارتري الذي يعيشه الارتريون في المهجر في المرحلة الراهنة يحتم بشكل مُلِحْ وملحوظ قيام تجمع للقوى الوطنية يرتكز على تطلعات وامكانيات وموارد مشتركة متوازنة. وقد ظلت المعارضة الارترية في الشتات تعاني من التقسيم والتناحر والتجزئة وتبادل الاتهامات ولم تنجح بعد في افراز معارضة جادة وموحدة وفعالة. فإلى جانب الشلل الفعلي للمعارضة الارترية فإن كثيرون من المحسوبين على معسكر المعارضة الارترية قد فارقوا جادة الطريق وتحولوا الى خونة يخدمون الغزاة ومصالحهم على حساب وطنهم وشعبهم. وبعض هؤلاء الافراد والمجاميع السياسية ووسائل الاعلام على نحو خاص، تجاوز كل الأصول والحدود في عمالتهم وارتزاقهم الرخيص وانغمسوا في وحل العمالة والخيانة بشكل فاضح لا يعرف الحياء.  

فتحت ستار معارضة النظام الدكتاتوري ظل ولا زال كثير من هؤلاء الخونة المندسون يقفون في صف القوى الأجنبية بشكل مفضوح ويعلنون تأييدهم لها دون شعور بالخجل او الندم، وذلك على الرغم من ان هذه القوى المعادية قد ظلت ولا تزال:-

  1. 1. تعبر عن اطماعها التوسعية في دولة ارتريا المستقلة ذات السيادة.
  2. 2. لديها سجل حافل بالغزو والانتهاكات المتواصلة لوحدة التراب الارتري وسيادة الوطن.
  3. 3. تمارس ضد أبناء شعبنا مختلف اشكال التنكيل والقمع الجماعي ومصادرة الممتلكات.
  4. 4. تهاجم باستمرار الروح الوطنية والهوية الارترية والوحدة الوطنية ومجمل القيم الارترية.

وقد بلغت الخيانة والعمالة بهؤلاء حداً دفعهم الى تحريض زمرة ويانى تجراى على شن حملة غزو جديدة لارتريا. وكم هو صادم ان يعلم المرء ان هؤلاء ظلوا منذ البداية ينكرون ارتكاب زمرة الويانى للجرائم المريعة ضد اللاجئين الارتريين في تجراى تارة ويبررونها تارة اخرى. كما انهم تواطؤوا مع القوى الأجنبية المعادية وتجاوزا كل الخطوط الحمراء وكشفوا عن انحطاطهم الأخلاقي، ولذلك عملوا كل ما في وسعهم من اجل تفتيت قوى المعارضة في المهجر وزرعوا بذور الشقاق بينها.

التغيير سنة الحياة، والزمن كفيل بإحداث تغييرات تفرض الحلول لمختلف المشاكل التي تبرز خلال مختلف المراحل. خلاصة القول، التاريخ لا يرحم أي خائن او مأجور. وبما انه ستصفو الليالي بعد كدرتها وكل دور اذا ما تم ينقلب، فإن كل الحملات التي تهدف الى تشويه قوات الدفاع الارترية والى الإساءة لقوى المعارضة الوطنية والسعي لزرع الشقاق بينها من قبل قوى العمالة والخيالة التي تدافع عن مصالح الأعداء ،ستضع اوزارها، وهذا امر مؤكد ، حينها سيكون من الضروري العمل على تطبيق العدالة الانتقالية التي تهيئ الأرضية لتحقيق المصالحة الوطنية والوئام الاجتماعي والمعالجة القانونية لكل الجرائم والمظالم التي ارتكبت ولا تزال ترتكب، وتعوض الضحايا وتؤكد المساءلة. 

شعبنا الذي ظل يعاني الامرين منذ زمن طويل تحت قمع وقهر النظام الدكتاتوري الوحشي يمر في هذه الآونة بلحظة مفصلية حاسمة. وقد حانت لحظة افول النظام الحاقد وادارته الفاسدة، واصبح يتضح بجلاء اكثر ان الانتقال الديمقراطي الذي يفترض ان يخلفه امر ممكن. وانا اؤمن بأنه متى ما جمعنا طاقاتنا وقدراتنا واصبحنا مؤهلين للنهوض بعمل فعال وإنخرطنا في عمل جماعي موحد فإننا نكون قادرين حينها على الاسهام بقدر كبير في تعزيز القدرات الفعلية لشعبنا في الداخل والمهجر. ومن المؤكد اننا سنكون قادرين على المساعدة في تعجيل التغيير المستقل الذى ينشر السلام والعدالة والازدهار في بلادنا، وعلي المساهمة في إرساء انتقال سلمي هادئ الى الدولة الدستورية وتحقيق الحكم الديمقراطي. 

يعيش محيطنا القريب ازمة عميقة و ظروف اضطرابات حادة وقلاقل متواصلة. والشعوب الاثيوبية على نحو خاص وقعت فريسة للحروب الاهلية وهي تعاني الامرين من النزوح القسري وعدم الاستقرار. ومن الواضح لنا جميعا ان لهيب نيران هذه الحروب والأوضاع غير المستقرة قد طالت على نحو مؤثر وقوي شعبنا ووطننا وحتى قوى المعارضة الارترية في بلاد المهجر المختلفة. ولتوضيح احد الأسباب الرئيسية لهذا التأثير السلبي سأورد ما قاله رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بهذا الشأن في احدى المناسبات 

في احدى المرات اخذت سيارة اجرة لتوصلني الى مقر إذاعة ال بي بي سي لإجراء مقابلة، وحين وصلنا هناك طلبت من سائق التاكسي ان ينتظرني لمدة 40 دقيقة الي حين انتهائي من اجراء المقابلة، لكن سائق التاكسي اعتذر لي قائلاً: آسف لن استطع انتظارك لأني مضطر للذهاب الى البيت لسماع مقابلة ونستون تشرتشل، فاستغربت لاهتمامه بسماع مقابلتي وشعرت بالسرور والفخر وتعبيراً عن ذلك قررت ان ادفع له 20 جنيه إسترليني بدلاً من خمسة جنيهات، وما ان امسك السائق بالمبلغ حتى قال لي: سأنتظرك لساعات يا سيدي حتى تعود ودع تشرتشل يذهب الى الجحيم."

 هذا الموقف يوضح كيف ان المبادئ تتبدل بالمال، وكيف ان الأوطان تباع مقابل المال، وكيف تباع الكرامة مقابل المال وكيف ان المال يفرق بين الاهل والأصدقاء فيحولهم الى أعداء، وكيف ان الناس مستعدون ان يقتلوا من اجل المال وكيف انهم يقبلوا ان يستعبدوا ويصبحوا خدماً مقابل المال، وكيف ان البعض مستعد ان يخون وطنه وشعبه مقابل الحصول على المال ويصبح مرتزقا في خدمة الأعداء.

بدءاً، علينا ان ننطلق للعمل بفعالية انطلاقاً من قناعة راسخة بأن احداث التغيير في ارتريا شأن ارتري داخلي، وان تحديد مستقبل ارتريا ليس في أيدي اى قوى خارجية وانما في ايدي الشعب الارتري وفئة الشباب على نحو خاص. المهم في هذه المرحلة ان تتخذ القوى الارترية المناصرة للديمقراطية بالمهجر موقفاً توفيقيا بين الأطراف المتصارعة في النزاع الاثيوبي الداخلي، والا من الأفضل ان تقف على الحياد. لكن الأولوية الكبرى تحتم علينا ان نركز على الجهود المبذولة لاقتلاع النظام الدكتاتوري الجاثم على صدور شعبنا وإبداله بنظام دستوري يرتكز على حكم القانون والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الانسان.  

ولاجل بلوغ هذا الهدف ها نحن نجتمع اليوم في منتدى ارتريا 2021 الذى ينعقد تحت شعار "تعزيز القدرات العملية للشعب على تحقيق التغيير والانتقال الديمقراطي" وهذه المناسبة  تفرض علينا الإجابة بهدوء على سؤال أساسي : هل نحن المجتمعون في منتدى ارتريا 2021  لمناقشة القضايا الراهنة لوطننا وامثالنا من الناشطين الارتريين في المهجر من انصار التوجه الديمقراطي مستعدون للتصدي للتحديات التي امامنا ولتحمل مسؤوليتنا التي تفرضها المرحلة. 

اعتقد انه ربما يكون من المهم هنا التطرق بشكل موجز قبل بدء برنامجنا الى موضوع الظاهرة التي برزت مؤخراً وتسببت في احداث صدع في الواقع السياسي للإرتريين في المهجر. هذا الموضوع يتعلق بمقترح اقامة حكومة منفى. وتجدر الإشارة في البداية الى ان هذا الموضوع ليس بجديد. فقبل 10 أعوام طرحت هذه الفكرة من قبل قوى خارجية سعت الى تغيير النظام في ارتريا وكان مصيرها الفشل. 

وهذا الفشل الذى تواجهه هذه الفكرة يعتبر نعمة على الشعب الارتري وليس نقمة، وذلك لأن النتيجة الموضوعية لأى حل يفرض من قبل قوى خارجية ماثلة للعيان امامنا، وخير شاهد على ذلك الواقع المرير الذي تعيشه بسبب ذلك شعوب الصومال والعراق وسوريا وليبيا وأفغانستان. وكما رأينا كيف أن احمد شلبي الذي نصبته القوى الخارجية قد جلب الويلات للعراق فإن احمد شلبي الارتري لا يمكن ان يجلب لشعبنا غير الخراب وليس غير ذلك.

مقترح "حكومة المنفي" يرتكز على منطلق تقسيمي طائفي خاطئ يرى ان المجتمع الارترى - الذي يعرف بوحدة تنوعه ووفاقه الاجتماعي -  يتشكل من توجهين وثقافتين ولغتين. والتطبيق العملي لهذا المنطق التقسيمي الطائفي في لبنان لم يجلب للشعب اللبناني سوى الاقتتال والتناحر. و المحزن جداً أن نسخ هذا الواقع اللبناني المزرى لن يقود سوى الى تحويل ارتريا الى لبنان آخر ونكبه بنفس الواقع البائس. 

عدا ذلك، هناك قضايا سياسية هامة جداً لا يعالجها مقترح إقامة "حكومة في المنفى" وابرزها:- 1. مسألة حكم القانون، 2. تمثيل الشعب، 3. مسألة شرعية النظام، 4. مسألة التطبيق على الأرض، 5. مسألة النتيجة الموضوعية للنضال الذي يخاض من اجل إقامة دولة دستورية. وعندما يكون مقترح إقامة حكومة في المنفي 1. ليست لديه حاضنة تمثيل شعبي في الداخل والخارج، 2. مفتقر للتركيبة القانونية، 3. يصبح حينها غير قابل للتنفيذ عملياً. إضافة الى ذلك فإن طرح حكومة المنفى لنفسها ليس كتكملة للجهود الديمقراطية في الداخل من اجل حفز التغيير الإداري المستقل، وإنما تطرح نفسها كبديل او منافس للقوى المناصرة للديمقراطية في الداخل، مما يجعل المقترح يلعب دوراً معيقا للنضالات الوطنية التي تخاض بملكية وقدرات ارترية خالصة من اجل إنجاز انتقال ديمقراطي سلمي هادئ، وخير شاهد على هذا الدور المعيق الواقع الليبي الراهن. 

اكتفي بهذا القدر واعود للحديث عن الموضوع الأساسي الذي نجتمع من أجله اليوم.

منتدى ارتريا 2021 سيركز على خمسة مجموعات لنقاش المواضيع.

كل مجموعة نقاش تتكون من رئيس جلسة ومتحدثين اثنين، يلي تقديم المواضيع نقاش مفتوح.

رغم كل هذه الآثار السلبية إلا انه من المهم هنا إدراك ان الأوضاع الراهنة في منطقتنا وبلادنا قد خلقت امام القوى القوى الوطنية الارترية تحديات من ناحية وفرص سانحة من ناحية أخرى. 

هذا المنتدى الهام الذى ينعقد في هذه اللحظات الحرجة من تاريخنا تحت عنوان تعزيز قدرات الشعب العملية في التغيير والانتقال الديمقراطي يهيئ منبراً مفتوحاً للنقاش من اجل (1) توسيع الادراك الجماعي لأحوال شعبنا ووطننا، (2) وبلورة رؤية مشتركة بخصوص ارتريا الغد. وآمل ان يختتم هذه المنتدى اعماله بالوصول الى نتائج تفضى الى (3)حفز النضالات التي تسعى الى التعجيل بإحداث التغيير والانتقال الديمقراطي في وطننا الحبيب والى التمكين من العمل الجماعي الفعال في المجال السياسي والإعلامي على نحو خاص.

اشكركم على حسن الاستماع  


المجد والخلود لشهدائنا الاماجد 

تحيا ارتريا حرة مستقلة 

ليبارك المولى ارتريا وشعبها


www.eri-platform.org